مع المقدم الهبري
كان المقدم بنحمو أحد مقاديم الطريقة الهبرية يسكن بدوار سيدي أحمد بن الشيخ . وذات مرة جاءه أحد مقاديم الطريقة الهبرية . أوفده الشيخ ليقوم بزيارته . فلما أتاه أقام ضيافة على شرفه إستدعى فيها كبار الدوار على رأسهم سيدي أحمد بن الشيخ . فلما انتهوا من تناول المأدبة طلب المقدم الضيف من سيدي أحمد بن الشيخ أن يقوم بدعاء الختم أو المعروف كما يسمى . فأجابه سيدي أحمد بن الشيخ قائلا : " بل أنت الذي تدعوا لنا لأنك مقدم طريقة جئت مسافرا بإذن من شيخك دعاؤك مقبولا إن شاء الله " . لكن المقدم ألح على سيدي أحمد أن يرفع الدعاء . وتبادل الرجلان التأكيد والإلحاح على بعضهما كل يحث الآخر على الدعاء . فاختمر المقدم الضيف ( قام فيه الحال ) وأقسم لسيدي أحمد بن الشيخ قائلا :" والله لأنت الذي تدعو لنا، وكيف لي أن أدعو أمامك وأنت والله إن الشيخ عبد القادر الجيلاني لموجود الآن بخيمتك " . ولما رآه سيدي أحمد بن الشيخ كذلك أجابه قائلا : " لقد صدقت يا سيدي إني فعلا والله ما جئت ههنا حتى تركته حارسا على خيمتي " . وقبل سيدي أحمد في النهاية أن يقوم بالدعاء وإنصرف الجمع .
وعلى ضوء هذه الحادثة يمكن أن نستلهم أمورا أذكر منها على الخصوص :
1) – العلاقة القلبية الخاصة التي كانت تربط سيدي أحمد بن الشيخ بالشيخ الجيلاني بالرغم من كون سيدي أحمد كان ينتمي للطريقة الشيخية مشربا وعلى يد الشيخ سيدي بوعمامة بالذات .
2) – التسليم الكامل الذي كان متبادلا بين مختلف الطرق الصوفية والذي تجلى فيما وقع من تسليم متبادل بين سيدي أحمد بن الشيخ والمقدم الهبري ثم تسليم هذا الأخير في النهاية تقديرا منه لمكانة سيدي أحمد بن الشيخ ومنزلته من الشيخ عبد القادر الجيلاني .
3) – المكانة الروحية المتميزة والنظرة الشفافة التي كان يتمتع بها مقاديم الطرق تلك التي رأى بها مقدم الطريقة الهبرية العلاقة القائمة بين الشيخ عبد القادر الجيلاني وسيدي أحمد بن الشيخ مع علمه أنه لا ينتمي مشربا للشيخ الجيلاني وإنما كان مقدما في الطريقة الشيخية .
4) – قيام المشايخ بخدمة المريد إذا كانت العلاقة القلبية بينهما بصدق تام . وقد تجلى ذلك في قيام الشيخ عبد القادر الجيلاني بحراسة متاع سيدي أحمد بن الشيخ فبالأحرى أن يقوم بخدمته شيخه المباشر . وفي صدد خدمة المريد وإغاثته أورد كلمة مأثورة عن سيدي عبد القادر بن محمد يقول فيها : " خديمي نجيه طاير وعبدي نجيه غاير وولدي نجيه ساير " . وعلى الرغم من عدم القطع بثبوتها فانها ذات دلالة عميقة من حيث ترتيب الأولويات . فالخدام وهم القبائل المختلفة التي دخلت عن طواعية في طاعته أعطاها الأولوية في الإغاثة تقديرا لحسن صنيعها وحفاظا على حسن نيتها . أما العبيد فأعطاهم الأولوية الثانية بعد الخدام تقديرا لتفانيهم في خدمته وتعويضا لهم عن نصيب الحرية المفقود .
أما أبناء صلبه فجعلهم في آخر المراتب لأنه وإن لم يستجب لهم بسرعة فإنهم دائما أبناؤه لا يملكون عن ذلك بديلا . وهكذا فالطائفة الأولى يأتيها بأقصى سرعة ممكنة وهو ما تم التعبير عنه " نجيه طاير" حتى يظلون على العهد . أما الطائفة الثانية فيأتيها بسرعة أقل لكنها سرعة مرتفعة على كل حال وهو ما عبر عنه " نجيه غاير" حتى لا يحسون بالإهانة . ومعنى غاير أي عدوا على الفرس . وأما الطائفة الثالثة أي أبناؤه فلا يأتيهم إلا سائرا أي بتأن لأنهم ليسوا في حالات إستضعاف، بل ويكفيهم من الشرف أنهم أبناء صلبه وإن لم يستجب لهم . والمتأمل في هذه المقولة يلاحظ أنها أصل في فقه الأولويات والضروريات . 5) – ومما يمكن إستفادته أيضا من هذه الحادثة تصرف الأولياء بعد وفاتهم ثم إمكانية الإستفادة من خدمتهم بعد وفاتهم لمن عرف كيف يستغل ذلك .