الشيخ الجيلاني والمرأة
كان سيدي المير إبن العم المعروف لسيدي أحمد بن الشيخ وصاحب سره قد أرسل أخاه مرة إلى فكًيك ليكتال التمر قبل أن تلتحق به القافلة . وكان هذا الأخ يجمع ما إكتال من تمر عند سيدة كانت معروفة بالمحافظة على الأمانة .. وقد أوصاها أن لا تسلمه لأي أحد إلا بعلمه . وكان من المفروض أن يعود إلى أهله ليطلعهم على الصفقة قبل أن ترحل القافلة . ولما تأخر إنطلقت القافلة بقيادة سيدي أحمد بن الشيخ بمعية سيدي المير . ولما اكتال الناس وأزمعوا على الرحيل أبت السيدة أن تسلمهم الكيل المودع لديها رغم يقينها بأن صاحبه الحقيقي هو سيدي المير ، لكونها كانت تعرف أن أخاه ما كان إلا موفدا في المهمة فقط ، ورغم معرفتها حق المعرفة لمكانة سيدي أحمد بن الشيخ حيث تمسكت بموقف المحافظة على الأمانة .
وقد إنتظرت القافلة يومين كاملين بعد إستعدادها للرحيل ، لكن الغائب لم يظهر . وفي اليوم الثالث أمر سيدي أحمد بن الشيخ القافلة بالرحيل وتخلف في الإنتظار بمعية سيدي المير بالجمال الفارغة . ولما إنفصلت العير لنصف يوم كامل فإذا بالشيخ الجليل سيدي عبد القادر الجيلاني يأتي علانية ، وبدأ سيدي أحمد يقول لسيدي المير : " أنظر يا المير أنظر بأم عينيك إنه الشيخ عبد القادر الجيلاني نفسه جاء لنجدتنا ، تأمله جيدا لعلك تقول يوما ما إنك لم تره " . وقد إتصل الشيخ الجيلاني علانية بالسيدة وأمرها أن تسلمهما الكيل ففعلت بكامل السهولة بعدما أبت لعدة أيام . وإلتحقا بالعير فإذا بهما بقدرة قادر يدركانها في مساء نفس اليوم على الرغم من كونهما لم تتوقف . فإعتقد الناس أن الغائب قد حضر . فلما لم يجدوه بدأوا يتساءلون ، فقص عليهم الرجلان الخبر فحمدوا الله وإستعظموا تلك الكرامة وواصلوا سيرهم بسلام . وهذه أيضا كرامة أخرى تبرز مدى الإرتباط الذي كان حاصلا بين سيدي أحمد بن الشيخ والشيخ عبد القادر الجيلاني ، على الرغم من كونه لم يكن مريدا في طريقته . ومن هذه الكرامة يمكن أن نستخلص الأمور الآتية :
- تمسك المرأة الصارم بالإحتفاظ بالأمانة . وهو الموقف الجليل الذي جعل سيدي أحمد بن الشيخ يلتمس لها الأعذار ويقدر موقفها على الرغم مما سببت للقافلة من تعطيل . وهذا الموقف من المرأة منطقي وسليم له في نظر الشرع إعتبار خاص .
- تشريف المرأة بزيارة الشيخ عبد القادر الجيلاني لها جهرة على مرأى ومسمع من الناس . ولعل ذلك بفضل خلق الإحتفاظ بالأمانة النبيل الذي كانت تتحلى به .
- حضور الشيخ سيدي عبد القادر الجيلاني لسيدي أحمد بن الشيخ علانية كعادته في الوقت المناسب . ولا غرابة حيث يروي بالتواتر عن سيدي أحمد بن الشيخ أنه كان كلما ينادي عليه يأتيه علانية بدون تأخير .
- ولعل السر من وراء تأخير حضور الشيخ عبد القادر الجيلاني حتى رحيل القافلة كان لإظهار كرامة إلتحاق الصاحبين بالعير في نفس اليوم رغم تخلفهما عنها بمسيرة نصف يوم كامل . ثم للتدليل على أن المرأة ما كانت لترضخ لولا علاقتها الخاصة بالشيخ الجيلاني . لأنها لو كانت لابد راضخة لفعلت حينما كان الوفد ملتفا حولها لمدة يومين كاملين بما فيهم سيدي أحمد بن الشيخ . ثم لإظهار أن الشيخ الجيلاني كانت له سلطة على المرأة كفيلة أن تحررها من الإلتزام بالمحافظة على الوديعة وتسليمها لذويها .
- ومن جهة أخرى قلنا أن الكرامة لا تأتي كقاعدة إلا عند الضرورة . وفي هذه الحالة لم تتحقق إلا بعد تخلف الصاحبين لوحدهما بعد رحيل القافلة . أما حينما كان الوفد كله مجتمعا فلا ضرورة هناك .