الإغترار بالثروة
كان سيدي أحمد رحالة ينتقل بزاويته عبر المنطقة الشرقية حسب المواسم والظروف . وكان الزوار عادة ما يأتون للزاوية ببعض الهدايا . وذات مرة وهو حال بمزغنان ( هو موضع معروف شرق مدينة جرادة على بعد حوالي 8 كيلو ميترات ). قرر أن يرحل إلى مكان قريب منه على بعد كيلومترات يسمى الفيضة به واد جاري . ولما كان موضع سكناه الجديد مؤقتا فقد أخذ من المال ما يكفي لسد حاجيات الإقامة هناك اما الباقي فجعله في جرة ( قبوشة ) وحفر لها بقرب شجرة بطم معلومة بقرب إقاماته وخزنها هناك ريثما يعود حتى لا يكون عرضة للإتلاف . وكان بمزغنان رجل يحترف صناعة العصي والرزايم ( الرزامة هي قطعة من الخشب تستعمل لدق الحلفة وغيرها ) .
وكان من عادة هذا الرجل أن يتنقل في الغابة بحثا عن الشجر اللائق لحرفته . وصادف أن جاء يوما الى الشجرة التي كان المال مدفونا بها وإستطاع العثور عليه صدفه، فإذا به يصبح بعد عشية وضحاها من خيرة السكان حالا بعدما كان لا يكسب قوت يومه ، الشيء الذي أثار إنتباه الناس وجعلهم يحسون ان وراء هذا الرجل لسرا . ولما عاد سيدي أحمد بن الشيخ الى المكان ولم يجد المال إستشار كبار القبيلة فاستبان لهم الأمر حيث إستنتجوا أن يكون هو الشخص الذي أخذ المال لكونه ينتقي أشجار البطم حيثما وجدت من ناحية ثم إعتباره منفعلا بالبطمة المعنية بدليل جدية آثار القطع بها من ناحية ثانية ثم بالنظر إلى التغيير المفاجئ ببروز آثار الثروة عليه من ناحية ثالثة .
أرسل له سيدي أحمد جماعة من كبار القبيلة يطلعوه على أن المال الذي عثر عليه ملك للزاوية وليفاوضوه على أن ما تم إتلافه فقد عفا الله عنه وأما ما بقي لديه فعليه أن يعيده . إلا أن الرجل تحت تأثير الثروة وفي غيبة الإيمان والتقوى إستقبل الجماعة بغلظة وإستعلاء وأجابهم قائــــــلا :
" كيف بكم يا هؤلاء تريدون أن تجعلوا هذا الصحراوي وارثا لثروتي وهي من كد ساعدي . إنصرفوا عني فإني لا أريد أن أسمع ما تقولون بعد اليوم “. ولما عاد الوفد إلى سيدي أحمد بن الشيخ وقص عليه الخبر قال لهم :
" إرجعوا إليه ثانية وقولوا له : إنك تدعي أن المال ملكك ، فإن كان حقا ما تقول فلا عليك ، وأما إن كان مال الزاوية عثرت عليه فإعلم أني راحل إن شاء الله إلى الظهرة وسأعود السنة المقبلة لأجدك إن شاء الله لابسا غرارة ( أي خنشة ) “ .
ورحل سيدي أحمد فعلا . أما صاحبه فتمادى في الإصرار والعناد ، لكنه مع توالي الأيام بدأت الثروة تتبدد من بين يديه وتتلاشى وتتطاير في غاية الغرابة . ولم تمض إلا بضعة أشهر حتى صار أسوأ مما كان عليه قبل عثوره على المال . وتمادى في التقهقر حتى أصبح لا يملك ما يستر به عورته ولا يرتدي فعلا إلا غرارة يذهب بها على مشهد من الناس ومسمع إلى السوق . ولما عاد سيدي أحمد في السنة الموالية إلتقى به على تلك الحالة ، فأسرع إليه الصاحب معتذرا يقبل اليد والرجل طالبا منه السماح ومعترفا بذنبه . وتلك سنة الله السارية في حق المعتدين كلما كانت الدعوة مرفوعة من المظلوم . أما إن كان المظلوم وليا من أولياء الله الصالحين من طراز سيدي أحمد بن الشيخ فتلك قضية أخرى . إنها قضية أخرى لأن الله وعد وليه أن يعطيه إذا سأله وأن يعيده وأن يعيده إذا إستعاذه. وتلك مرتبة الخصوصية التي يجتبي إليها من يشاء من عباده .
وأقل ما يمكن أن نستفيد من هذه الحادثة ضرورة تجنب مواجهة ومعاداة أولياء الله وإلا فالعاقبة تكون وخيمة لأن من عادى وليا فقد عادى الله تعالى الذي أكرمه بالولاية ومن عادى الله فقد آذنه بالحرب ومن آذنه الله بالحرب فعاقبته الخيبة و الخسران .