حادثة الجمل
من أوائل الكرامات التي تروى عن سيدي أحمد بن الشيخ وهو لازال حدثا أن أحد الجمال قد برك وأبى أن يقوم . وقد حاول الحضور الذين كانوا جماعة أن يستعملوا معه كافة الطرق ليقوم لكن دون جدوى . وكان ضمن الحضور عدد من مقاديم الطرق فقال أحدهم : إن لبروك هذا الجمل لسرا . علينا أن ينادي كل منا على شيخه لتحريكه حتى نرى أينا أوثق صلة بشيخه . فإتفقوا على ذالك . وبدأوا يتعاقبون على الجمل الواحد تلو الآخر كل ينادي ويستغيث . إلا أن الجمل لم يتململ ولم يحرك ساكنا . ولما تعاقبوا كلهم التفت أحد المقاديم إلى الطفل كان حاضرا ليس ككل الأطفال لأنه سيكون له مستقبل عظيم . كان عمره آنذاك يناهز 12 سنة . وكانت بوادر النجاية تلوح في أفق سمائه . إنه سيدي أحمد بن الشيخ . التفت إليه هذا المقدم النبيه وقال له :
" لم يبقى إلا أنت يا فتى لم تجرب حظك فحاول بدورك لنرى إن كان لك معه حض ما دام الجميع قد أخفق " . فتقدم الطفل اليافع في سكينة ووقار وكأنه قد جال في الدنيا وصال بالرغم من حداثة سنه . وما أن لمس الجمل برجله وقال له "آس" ( وهي كلمة تقال للجمل حينما يراد قيامه ) ، حتى قام طائعا بمجرد لمسة وكلمة كان قد فاه بها قبله المتعاقبون مرارا . وتأكد منذ اللحظة أن بروك الجمل كان يخفي وراءه سرا . إنه لم يستجب للذين يربطه وإياهم الإلف ولا للذين حاولوا أن يستعملوا معه القوة والعنف ولا للذين حاولوا استغلال ما اكتسبوا من تجارب في الظرف . لم يستجب لأولئك جميعا ، على الرغم من العلاقة والحيل ليستجيب عن طواعية صاغرا مستسلما لهذا الطفل الذي ترافقه عناية ربانية .
وكانت هذه من أوائل الإرهاصات التي تدل على المكانة الرفيعة التي تنتظر هذا البرعوم . ومنذ اللحظة أثار انتباه الناس الذين لمسوا من خلال هذا الحدث أن وراء الطفل مستقبل زاهر وسر عظيم ستبديه الأيام عما قريب . وهو تخمين صحيح إذما لبث الفتى أن ذاع صيته فيما بعد إلى آفاق ذات أبعاد جغرافية تجلت فيما حضي به من صيت بلغ مداه العديد من القبائل والأدغال . كما أنها ذات أبعاد تربوية أخلاقية تجلت في كونه كان في كل مراحل حياته نعم القدوة والمثال ، ثم ذات أبعاد سلوكية روحية تجلت في كونه كان نعم المريد نعم السالك ثم نعم المربي من الرجال .
ومما يمكن أن نستفيده من هذا الحدث أن الرجال الذين سيكون لهم شأن في الدنيا تستهل حياتهم بمجموعة من الإهاصات والعلامات البارزة لتنبيه الناس إلى العناية الخاصة التي ترافقهم والوزن الخاص الذي يحضون به عند الله . وهذه المسألة ثابتة في مناقب العديد من الصالحين ، وهي بالنسبة للرسول الأعظم محمد صلوات الله وسلامه عليه أجلى وأوضح من لحظة ميلاده إلى حين الوحي . وكتب السيرة العطرة زاخرة بها .
أما بخصوص سيدي أحمد بن الشيخ فقد ثبتت مجموعة من الإرهاصات في شأنه :
منها هذه التي تحدثنا عنها .
ومنها الكرامة المتعلقة بالبطيخة التي سنذكرها عما قريب إن شاء الله ،
ومنها شهادة عدد من الناس على كون غمامة كانت تظله في السفر من دون الناس وهو لازال طفلا يطارد الإبل .وغيرها .