sourati

أنت مرابو

أنت مرابو


كان سيدي أحمد بن الشيخ رحالة يتنقل بالدوار بقرب الحدود المغربية الجزائرية المارة عبر الظهرة لكونها منطقة محمية عادة ما يكون بها الكلأ ٠ وكانت الجمارك الفرنسية آنذاك تقوم بدوريات روتينية لمراقبة الناحية ٠ وكان مسؤول الوحدة الفرنسية قد ألف سيدي أحمد بن الشيخ وعرف قدره وإعتاد إحترامه وتقديره ٠ وكان لا يمس بسوء كل من إنتسب إليه ٠ ولما إنتقل هذا المسؤول حل محله مسؤول آخر يتسم بالعصبية والعناد ٠ ولما كان في إحدى الجولات مع بداية تعيينه لاحظ التقدير الفائق الذي يحضى به سيدي أحمد بن الشيخ سواء من طرف جميع سكان الناحية أو من طرف رجال الجمارك أنفسهم الذين كانوا يعرفون مكانته . لما لاحظ ذلك بدأ يدخله التكبر والعناد والغرور والإستعلاء فقرر أن يذهب إليه بنفسه. فلما أتاه برفقة أفراد الوحدة رحب بهم سيدي أحمد بن الشيخ وأمر أن تنصب لهم خيمة خاصة وتهيأ لهم أفرشة تلائمهم ٠ وبدأ يتجاذب أطراف الحديث مع هذا المسؤول بواسطة الترجمان ٠ فبادره سيدي أحمد بن الشيخ قائلا :




“مرحبا بكم أنتم اليوم ضيوفنا الكرام “ . فأجابه القائد الفرنسي قائلا: “ لا أنا لست بضيفك إني ذاهب إلى شأني الآن ” . فقال له سيدي أحمد : “ بل مرحبا وأهلا وسهلا بكم أنتم اليوم ضيوفنا ٠ لقد ألفنا تبادل الإحترام والتقدير مع سلفك كما إعتدناه يزورنا أخويا بين الفينة والأخرى “ ٠ فأجابه القائد الفرنسي بغطرسة قائلا: "ذاك شأنه معكم ، أما أنا فلي معكم شأن آخر “ . وتمادى في تصعيد الكلام .
فتوجه إليه أحد رجاله قائلا : إسمح لي يا " مسيو " أن أذكرك فقط أنك تتوجه بالكلام إلى " مرابو كبير. " .( ومرابو يعني شريف بالفرنسية ) ٠ فأجاب بإستعلاء : " ومن أدراكم أنه مرابو فعلا “ فأجابوه جماعة قائلين : " إننا على علم بذلك منذ زمن ، إنه فعلا مرابو فالمرجو يا مسيو تصويب الكلام معه " ٠ فقال لهم : “ هذا زعم باطل إنه ليس مرابو أنا هو المرابو الحقيقي “ .

فلما لاحظ سيدي أحمد بن الشيخ ما يدور بينهم إستفسر عن فحوى الحديث فأخبروه بذلك ٠ فقال سيدي أحمد للمسؤول العنيد :
" أما إني أعرض عليك أن تقيم في ضيافتنا خصوصا وأنك قد أتيت جديدا ٠أما قضية المرابو فلا داعي للحديث حولها " , فأجابه :” أما الضيافة فإني لا أقيم عندك بأية حال وأما قضية المرابو فأنت لست مرابو أنا هو المرابو " فأجابه سيدي أحمد بن الشيخ بهدوء :
" طيب ما دمت أنت لا ترغب شخصيا في الإقامة عندنا فذاك شأنك ، أما الأعوان فاتركهم يقيمون عندنا خصوصا وأنهم راغبون في ذلك “ . فأجابه بالرفض البتة وبلهجة تفتقر إلى أدنى مستوى من الأدب مضيفا : "أنا مرابو وأنت لست مرابو “ .
فلما رآه سيدي أحمد متماديا قي الإستعلاء والغطرسة أجابه بلهجة صارمة قائلا :
" لقد حاولت أن أتفادى معك هذا الموضوع وبما أنك قد أصررت فأنا مرابو وأنت لست مرابو " وأجابه المتغطرس بدوره " بل أنا مرابو وأنت لست مرابو" ٠ فقال له سيدي أحمد بن الشيخ :

" سنرى بعد حين من هو المرابو حقيقة ممن زعمه باطل ، أما وإنك قد رفضت أن تقيم عندنا بشرف فاعلم . أنك سترجع إلينا صاغرا رغم أنفك " ٠ وحرك الجاهل كتفيه سخرية وأستهزاء ، وتلك عادة الذى لا يرى إلا بعين المادة ولا يزن إلا بموازن الغلبة والإستعمار .
وإنطلق الكافر في غرور وكبرياء يقود أعضاء الدورية الذين رافقوه على مضض ٠ ولما قضوا ما شاء الله من الوقت فإذا بالسماء تجود مطرا غزيرا وإذا بالوديان تفيض هديرا . فأصاب الوفد من المطر ما أصاب . وصادف أن واديا فائضا قد إعترض سبيلهم وهم في طريق العودة فمنعهم من بلوغ الثكنة . فأمر المسؤول أعوانه بإقتحامه لكنهم أبوا جميعا لكونهم يعرفون جيدا عمق الوادي ثم يعرفون بحكم التجرية قوة السيلان .

وأطلعوه على الأمر ، لكنه لما رأى رفضهم قرر أن يقتحمه بنفسه ليحذوا حذوه . وما إن قطع بضع أمتار حتى سقط الحصان تحت قوة السيل وألقى به في الماء . أما الحصان فقد تمكن من الخروج من الوادي وتوجه عدوا إلى دوار سيدي أحمد بن الشيخ حيث تم الإمساك به . وأما صاحبه فلحسن حظه وبقدرة قادر تمكن من الإمساك بغصن شجرة قذف به الموج إليها حتى أتى الأعوان وأخرجوه في أسوأ حال حتى كاد أن يشرف على الهلاك ٠ فلما إسترجع بعض أنفاسه أردفه أحد الأعوان وراءه وقال لهم " هيا بنا نعود إلى المرابو ، لقد تأكدت أخيرا أنه مرابو فعلا ". وكان سيدي أحمد قد أمر سلفا بإحضار النار والغذاء لاستقبالهم . ولما وصلوا إستقبلهم بترحاب وإبتسام ، فبادره الكافر بالقول :

" حق ربي أنت مرابو أنا لست مرابو ٠ حق ربي أنت مرابو أنا لست مرابو - حق ربي أنت مرابو أنا لست مرابو “ . فرحب به سيدي أحمد بن الشيخ من جديد وطمأنه أنه لا يكن له أي خلفية من جرا ء ما حدث . وقضى عنده الضيافة مكرها ومكرما .
وكان سيدي أحمد بن الشيخ قد أظهر هذه الكرامة حيث دعت إليها الضرورة .
فالنصراني حديث عهد بالناحية وهو لازالت غطرسة وكبرياء الإستعمار تجري في أوداجه ، فأصبح لزاما أن يحد بأسه وكيده عن سكان الناحية المستضعفين بهذه الكرامة