حمل الشبكة
هذه حكاية متواثرة وقعت للسيد زايد المعروف بمحبته لسيدي أحمد وتفانيه في خدمته بصدق وإخلاص . كان السيد زايد هذا " يز" الحلفة ( أي يجنيها ) ، وذات يوم بينما هو ذاهب لوحده بجماله محملة إلى ورش ميزان الحلفة، إذ سقطت له إحدى الشباك المليئة من على ظهر أحد الجمال . وقد حاول عبثا أن يبحث يمينا وشمالا عمن يعينه على حملها فلم يجد . وعندما يئس أناخ الجمل بقرب الشبكة وعكف ينادي مستغيثا ياسيدي أحمد أغثني . ثم حاول أن يحمل الشبكة فوق الجمل فإذا به يحملها وحده بكامل السهولة وكأن جماعة من الناس تكاتفت معه على حملها .
وكانت دهشته عظيمة حينما رأى ما رأى من شأن حملها خصوصا وأنه يعلم بحكم التجربة أن وزنها يفوق القنطارين يتطلب حملها على الأقل رجلين جلدين في حين أنه كان هو نفسه ضعيفا جسمانيا . وبعد هذا الحدث تابع طريقه إلى ورش البيع وهو مغمور فرحة وإعجابا . فلما أتم البيع إشترى كيلوغراما من الكاوكاو ثم قفل راجعا وفي قصده أن يوزعه صدقة على سيدي أحمد بن الشيخ لكونه يحب الكاوكاو . ومن المفارقات العجيبة أنه عندما رجع وجد سيدي أحمد بن الشيخ ضيفا عند أحد من أهل الدوار . فلم يتمالك أن أسرع إليه في خيمة الضيافة . وبعد أن قدم التحية للحضور تقدم إلى سيدي أحمد بن الشيخ وقبل يديه ثم أخرج علبة الكاوكاو ووضعها بين يديه . فقال له أحد الشيوخ مازجا : " لماذا يا زايد أعطيت الكاوكاو كله لسيدي أحمد ولم تعطينا منه أي شيء ومن ضمننا من هو أكبر منه سنا ومن هو أقرب إليك منه نسبا .
أو لسنا جميعا أهلا لذلك " . وقبل أن ينبس السيد زايد بينت شفة بادر سيدي أحمد بن الشيخ صاحبنا على التو قائلا : " يا شيخ لقد جاء السيد زايد بهذا الكاوكاو مكافأة لمن أعانه على حمل الشبكة حينما سقطت له من فوق الجمل في الموضع الفلاني . فهل كان منكم من أعانه أو حتى سمعه حينما كان ينادي " . فإندهش الحضور من هذا الكلام . أما السيد زايد فأسرع إلى يد سيدي أحمد يقبلها من جديد . ثم قص على الجماعة ما كان من أمر الشبكة، وأكد أن الحادثة وقعت تماما كما قال سيدي أحمد وأنه فعلا كان ينادي عليه وأنه رأى عجبا حين حملها على الجمل وكأن جماعة برمتها قامت بمساعدته .
وكانت هذه كرامة أخرى من الكرامات المتواترة عن سيدي أحمد بن الشيخ لازال صاحبها والعديد من حضور الجماعة يقصونها . وهي كرامة مكونة من ثلاثة كرامات على الأقل :
- من حيث إغاثته لصاحبه السيد زايد على حمل الشبكة .
- ومن حيث حكايته للحادثة قبل أن يقصها صاحبها ودون أن يراه أحد .
- ومن حيث إخباره أن علبة الكاوكاو كانت متوجهة له بالذات دون غيره .
قد يندهش البعض حين سماع مثل هذه الأمور، وقد لا يصدق البعض الآخر، ولا عجب إن كان ذلك مبلغهم من العلم . أما الذي كان حضه من العلم أوفى وذاق حقيقة العقيدة وأدرك عمق المعاني السامية للنصوص الواردة في هذا الشأن التي منها مثلا شطر الحديث " ... ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه،
إلى أن قال، ولإن سألني لا عطينه ولإن إستعادني لأعيذنه ... " قلت ، من تفهم عمق هذه النصوص أيقن إن الله يصطفي من عباده من يشاء، وإنه حينما يريد أن يكرم عبدا فإنه يقوم بالفعل وينسبه إليه . وتلك حقيقة الطلاقة في القدرة والمشيئة معا . أما الشك أصلا في إمكانية وقوع مثل هذه الأمور وإن على حسن نية فلا غرو أنه طعن في حقيقة الطلاقة بنسبة العجز إليها بوجه من الوجوه . فإذا كنا نعتقد أن الله سبحانه فعال لما يريد وليس على قدرته قيود ولا تحدها حدود فلماذا يخامرنا الشك حينما نراه أغدق على عبد ما شاء . ألم يتكرم على نبيه عيسى عليه السلام مثلا بأن جعله يحيي الموتى التي هي من أخص خصوصياته تعالى .