مع مقدم بني مطهر
عقد ذات مرة أربعة مقاديم من قبيلة بني مطهر العزم على زيارة الشيخ سيدي الحاج الطيب شيخ الطريقة آنذاك بالزاوية البوعمامية المعروفة بقرب عين بني مطهر . وكان قد سبق لأحد منهم أن قدح في شخص الولي الصالح الشيخ سيدي بوعمامة والد سيدي الحاج الطيب صاحب التاريخ المعلوم الغني عن كل تعريف . قلت، كان قد قدح فيه غيبة سيدي أحمد بن الشيخ . إتفق الأربعة على أن يطلبوا من سيدي أحمد أن يصاحبهم في الزيارة علما منهم بالمكانة المرموقة التي يحضى بها عند الشيخ سيدي الحاج الطيب خصوصا وأن بالموسم جفاف وكانوا يرغبون في الإستسقاء . ولما سمعوا بسيدي أحمد أتى إلى عين بني مطهر إستبشروا وذهبوا إليه ليخبروه عن الزيارة ويعرضوا عليه أن يصاحبهم، ثم قدموا له نصيبا من المال كانوا قد جمعوه له كزيارة . فأجابهم رحمه الله بصيغة صارمة قائلا :
- " يا معشر بني مطهر أما الحصة التي حضيتموني بها فلا آخذها لأن الهدايا لا تمنح إلا للزاوية،
- أما الزيارة التي تبتغون فلا أصاحبكم هذه المرة بالذات،
- أما أنتم إذا كنتم لابد فلا تصاحبوا معكم هذا " . وأشار بيده إلى المقدم الذي قدح في الشيخ سيدي بوعمامة . فسأله هذا المقدم متعجبا : لماذا يا سيدي لا أصاحبهم أنا بالذات . فقال له :" اسكت أنت " فكرر له المقدم السؤال بالحاح وتعجب . فلما رآه كذلك أجابه بلهجة قاسية قائلا :
" لأنك يا هذا أكلت لحم من لا تماثله ولا تدانيه والله سبحانه ينهانا أن نأكل من لحوم إخواننا " ، ثم أعرض عنه . حينها تذكر المغتاب فعلته التي جعلت سيدي أحمد بن الشيخ يغضب عليه بهذا الشكل ويؤكد للجماعة أن لا يصاحبوه إن هم أرادوا أن يرجعوا من الزيارة غانمين، وإلا فسيلقون مصيرا سيئا .
على أن هذا الشخص كان يحضى بمكانة إجتماعية مرموقة وله أتباع، الشيء الذي جعل سحبه من الزيارة يستعصي على المقاديم . كما ألح بدوره على الذهاب عنادا على الرغم من التحذير العنيف الذي تلقاه . وتوجه الموكب إلى الزاوية بمعية الصاحب . وحينما إقتربوا من الزاوية إعترض طريقهم الشيخ سيدي الحاج الطيب وعلامات الغضب بادية على محياه . وقال لهم معاتبا : " لماذا جئتم بهذا معكم إذا كنتم تريدون قبول الزيارة " . وأشار بيده إلى نفس المقدم الذي أدانه سيدي أحمد بن الشيخ . فسأله المقدم وما ذنبي يا سيدي ؟ ولم يتمالك أن أجابه بشدة بنفس الجواب الذي تلقاه من سيدي أحمد من ذي قبل قائلا : " لأنك أكلت لحم من لا تماثله ولا تدانيه والله سبحانه ينهانا أن نأكل من لحوم إخواننا "
. وإنصرف عنهم الشيخ سيدي الطيب غاضبا .
وما هي إلا لحظات وجيزة حتى هبت عاصفة ريح هوجاء مصحوبة بزوابع رملية خطيرة، وخيم ظلام دامس نهارا حتى أصبح الشخص لا يرى ما بجانبه أتلفت الزوار وفرقتهم عن بعضهم ولاحت كل واحد منهم بعيدا عن أصحابه حيث باتوا ضالين في حالة يرثى لها في البرد القارس والزوابع الرملية بدون عشاء ولا مبيت . وحينما أشرقت شمس الصباح وجد كل واحد منهم نفسه تائها بعيدا عن أصحابه . ثم قفلوا راجعين إلى ديارهم خاويي الوفاض يجرون أذيال الخيبة ويتقطعون حسرة وندامة على ما فرطوا من تعاليم سيدي أحمد بن الشيخ، تفريط زج بهم إلى حالة يرثى لها حتى كاد البعض أن يشرف على الهلاك من ما لاقاه من قساوة البرد والجوع والعطش .
ومن الكرامات التي يمكن ملاحظتها من هذه الحادثة نذكر ما يلي :
1) إطلاع كلا من سيدي أحمد بن الشيخ وسيدي الحاج الطيب على حدة على القدح الذي قام به ذلك المقدم المشئوم في شخص الشيخ سيدي بوعمامة دون أن يتبادلا الخبر .
2) غضب الشيخين واتفاق جوابهما لنفس الشخص بنفس اللهجة في زمنين مختلفين وعلى بعد مسافة .
3) الترابط الروحي الكبير الحاصل بين سيدي أحمد بن الشيخ وشيخه سيدي الحاج الطيب وسيدي بوعمامة .
4) النتيجة المأساوية التي آل إليها وفد الزوار نتيجة مخالفته لتعاليم سيدي أحمد بن الشيخ وعدم الإنصياع للتحذير تحت تأثير المكانة الإجتماعية لذلك المقدم المشئوم . وهي النتيجة الحتمية التي يؤول إليها كل من سولت له نفسه بمعاداته لولي من أولياء الله خصوصا وإن النص صريح في هذا الشأن " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب " .
5) ضرورة ذود المريد عن سمعة الشيخ والغيرة على حرمته وكرامته ومدافعة من يمس بقيمته أو يخدش في شخصه إذا كان المس على غير حق، لأن الشيخ نائب عن الرسول في التربية والتلقين مما يجعل محبته تبعا محبة للرسول وطاعته طاعة للرسول .